أسفرت انتخابات 14 التي عُلّقت عليها آمال وتوقعات كبيرة عن نتائج غير متوقّعة. واهتزّت الثقة بالتحالفات الحاليّة وأصبحت تثير الشك. فلصالح من كانت نتائج الانتخابات؟ من الذي فاز ومن الذي خسر؟ ما الاستنتاجات التي استخلصها كلّ طرف؟ وماذا كانت الأخطاء؟ وهل تعتبر الأحزاب ناخبيها وجماهيرها هدفاً أم أداةً؟ أُجريت الانتخابات بالرغم من كلّ هذه التساؤلات ورغم الألاعيب والمخططات والسرقات العلنيّة والسريّة. ورغم أن انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة قد تُرك لجولةٍ انتخابيّة ثانية، لكن هناك نموذجاً سائداً في تركيا تتمثّل في أنّه لا يمكن الفوز في الانتخابات عبر صناديق الاقتراع.
ولم تشتمل الحملة والدعاية الانتخابيّة للحكومة الحاليّة على أي وعودٍ جادّة للشعب بشأن المستقبل، فقد خاضوا حملتهم الانتخابيّة معتمدين على قوّتهم الإعلاميّة، الدعاية المضلّلة الكاذبة، الإهانة، الشتيمة والهجوم على حزب العمال الكردستاني.
أمّا المعارضة "الطاولة السداسيّة" فقد قامت بحملةٍ سلميّة هادئة قائمة على المشاريع وبلغةٍ مختلفة قليلاً. ومع ذلك هناك جانب معارض يجعل من الديمقراطيّة وسيلةً للتساوم. فقد شكّل عددٌ من الأحزاب الهامشيّة التي ليست لها قيمة كبيرة لدى الشعب من حيث الأصوات كحزب الديمقراطيّة والتقدّم، حزب المستقبل،الحزب الديمقراطي وحزب السعادة، تحالفاً على أساس دخول البرلمان والفوز بمقاعد برلمانيّة، من جهةٍ أخرى، بقي حزب الجيد وهو أحد أطراف المعارضة على الطاولة السداسيّة بفرض شروطه انسحابه منها سابقاً. وباختصار، كان تحالفاً قائماً على المصالح.
واُعتبر دعم تحالف الكدح والحريّة الذي يُعد حزب الخضر اليساري المكوّن الرئيس فيه، لكمال كليجدار أوغلو موقفاً إيجابيّاً، لكنّ هذا الأمر أضعف قوّة التساوم لديه. حصل سنان أوغان الذي خاض الانتخابات مع تحالف الأجداد (آتا) على نسبة 5 بالمائة من الأصوات وأخذ دور حزب الخضر اليساري. وبدلاً من مستقبل البلاد، وضع شروطه الخاصة التي تصبّ في مصلحة حزبه وسعى إلى كسب حصّة في هذه الانتخابات.
أوضح كلّ من الرئيسين المشتركين لحزب الخضر اليساري والرئيسان المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي أنّ سيتقدون أنفسهم على نتائج الانتخابات ويقيّمون النتائج الحاليّة، فهذا ضروري لأنّ لديهم كتلةً سياسيّة. فقد أثار تحالفهم مع حزب العمال التركي (TÎP) جدلاً بين الجماهير، وبدلاً من التحالف للفوز تحوّل إلى حمل حزب العمال التركي ونقله للبرلمان، وأثارت محاولات حزب العمال التركي في استغلال التحالف وموقفه وخطابه استياء جماهير حزب الخضر اليساري وتسبّب بمشكلة، وهنا أيضاً كانت المسألة، المساومة من أجل المصالح. هناك نضالٌ ضدّ الفاشيّة التي تنتهجها الحكومة التركيّة، ومن الضروري بالتأكيد في هذا النضال، أن يكون تشكيل التحالفات قائمٌ على القواعد والمبادئ، فعندما تكون المصالح الحزبيّة هي المهيمنة، ستُضيّع الفرص التاريخيّة حتماً.
حاول حزبا العدالة والتنمية والحركة القوميّة الفاشيتان وتحالف الجمهور الفوز في الانتخابات من خلال التدخّل في الانتخابات عبر صناديق الاقتراع، وعلى الرغم من أنّ دعايته الانتخابيّة القوميّة كانت فعّالة لدى الجماهير، إلّا أنّه تم توثيق العديد من المخالفات وتم الحصول على النتائج من استغلال سلطة الدولة حيث لم تكن هناك حماية لصناديق الاقتراع. كان هناك تزويراً وتلاعباً وسرقة واضحة للأصوات، فقد سُجّلت أصوات الناخبين لحزب الخضر اليساري في عددٍ من المدن الكردستانيّة لصالح حزب الحركة القوميّة، كما أنّه من المؤكّد أنّه إن لم تكن هناك منافسة ديمقراطيّة لن تكون هناك انتخاباتٍ ديمقراطيّة أيضاً. وتضارب نتائج الانتخابات مع كافة استطلاعات الرأي التي أجرتها الشركات يعود إلى التدخّل في صناديق الاقتراع والتلاعب بالأصوات.
لم تعد نتائج صناديق الاقتراع تعبّر عن الإرادة الحقيقيّة الحرّة للناخبين. وليس من الصحيح تماماً القول إنّ التيارات القوميّة، المتشدّدة دينيّاً والفاشيّة قد فازت بالتزوير. لكن يجب أن نعلم أنّ المعارضة تعاني من مشكلةٍ حقيقيّة. فأطراف تحالف الشعب لا يتمتّعون بتوجّه لحل الانسداد السياسي، فعلى الأقل هناك عمىً سياسي حيال القضيّة الكرديّة، ولنّ تُحلّ المشاكل والقضايا بمجرّد تغيير السلطة، فهي بحاجة إلى التغلّب على هذا أوّلاً. فالخط الأحمر للتحالفات الثلاث سواء تحالف الجمهور، الشعب، أو تحالف الأجداد (آتا) يتمثّل بالمبادئ الصارمة للدولة القوميّة والعقليّة الأحاديّة. وطبعاً هي ضدّ الكرد، إنّ توقّعات الكرد من الانتخابات هو أكثر من مجرّد تساوم، فهي تعبّر عن فتح الباب للديمقراطيّة وإيجاد حلّ للعجز والانسداد السياسي. وهذا هو هدف دعمهم غير المشروط للمرشّح الرئاسي كليجدار أوغلو.
لا يمكن أن تسود الديمقراطيّة والعدالة والقانون والحقوق في تركيا مع وجود الأحزاب السياسيّة على الطيف السياسي باستثناء تحالف الكدح والحريّة. ولا مستقبل لتركيا في أي معادلة سياسيّة لا تشتمل الكرد، لذا لا معنى لتعليق آمال وتوقعات كبيرة على الانتخابات. يجب أنّ نعلم أنّ النضال في سبيل الديمقراطيّة لا يقتصر على الانتخابات، فنضال الديمقراطيّة والاشتراكيّة نضال طويل الأمد. وكلّما عزّز الشعب تنظيمه كلّما تعزّز حقّ تمثيلهم لذاتهم.
على تحالفات الأحزاب التي تدّعي أنّها يساريّة، اشتراكيّة، ثوريّة وديمقراطيّة أن تركّز على النضال الطويل الأمد بدلاً من التركيز على تشكيل التحالفات الانتخابيّة فحسب. والأحزاب التي فشلت في تشكيل هذه التحالفات ليس لديها فرصة في خوض السياسة بمفردها. وتكرّرت هذه التجربة الأليمة كثيراً في الأحزاب اليساريّة التركيّة. لقد انتهى زمن الاستراتيجيات السياسيّة الكلاسيكيّة والأنماط العقليّة الدوغمائيّة (العقائديّة) والفهم الشعبوي للسياسة، والبقاء تحت أجنحة الدولة والنضال ضدّ الهيكل الفاشي والعنصري الرسمي منذ سنوات.
يجب النظر إلى الانتخابات الرئاسيّة التي تمثّل الجولة الثانية للانتخابات القذرة المثيرة للجدل باستخلاص العبر من الفشل. لا تزال فرصة الإطاحة بالديكتاتور كبيرة جدّاً. لقد قرّر معظم الناس التغيير، والشرط الوحيد للفوز هو حماية صناديق الاقتراع.
(ر)