احتل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي اعتبرته الولايات المتحدة، وبالتحديد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، شخصاً منبوذاً بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، موقع الصدارة الأسبوع الماضي، عندما أعادت الدول العربية مقعد سوريا في الجامعة العربية، حيث اعتبرت وكالة رويترز ذلك بأنه رسالة لواشنطن بشأن من هو الآمر الناهي في المنطقة.
ولفتت الوكالة في تحليل لها إلى أن استقبال بن سلمان الحار لبشار الأسد في القمة العربية بالقبلات والاحتضان الدافئ، شكّل تحدياً لاستياء الولايات المتحدة من عودة سوريا إلى الجمع العربي وجاء تتويجاً لتحوّل حظوظ الأمير بفضل الحقائق الجيوسياسية المتغيرة.
ترسيخ مكانة المملكة كقوة إقليمية
ويسعى الأمير محمد بن سلمان، حسب الوكالة، إلى ترسيخ مكانة المملكة كقوة إقليمية باستغلال موقعه في قيادة عملاقة للطاقة في عالم لا يزال يعتمد على النفط ومنشغل بالوضع في أوكرانيا، حيث بات الأمير لاعباً أساسياً لا يمكن لواشنطن أن تتجاهله أو تنأى بنفسها عنه، لكن عليها أن تتعامل معه على أسس نفعية.
وأشارت الوكالة إلى أن ولي العهد السعودي، المتشكك في صدق وعود الولايات المتحدة بشأن أمن المملكة وبعد أن سئم من لهجة التوبيخ، تحوّل إلى توطيد العلاقات مع قوى عالمية أخرى كما أعاد تشكيل علاقاته مع خصوم مشتركين، متجاهلاً ارتياع واشنطن من ذلك.
وثقته الواضحة على الساحة العالمية لم تكن ظاهرة وحسب في استقباله للأسد، بل بدت أيضاً عندما جاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للقمة العربية في جدة وعرض ولي العهد السعودي وقتها التوسط بين كييف وموسكو حليفته في تكتل إنتاج النفط، حسب الوكالة.
وأكدت الوكالة أنه لا تزال السعودية تعتمد عسكرياً على الولايات المتحدة التي أنقذت المملكة من غزو محتمل من صدام حسين في 1990 وتراقب الأنشطة العسكرية الإيرانية في الخليج وتزود الرياض بأغلب ترسانتها من الأسلحة.
ومع ذلك، بدأ ولي العهد في تبنّي سياسته الخاصة في المنطقة مع ميل لمراعاة أقل لآراء أقوى حليف لبلاده في ظل ما بدا من تقلص تفاعل واشنطن مع مجريات الأحداث في الشرق الأوسط وتراجع ما توليه من اهتمام لمخاوف الرياض.
رسالة قوية لأميركا
ويقول عبد العزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث عن القمة العربية "هذه رسالة قوية لأميركا مفادها أننا نعيد تشكيل ونعيد رسم علاقاتنا دونك".
وتابع قائلاً "إنه لا يحصل على ما يريد من الجانب الآخر"، مشيراً إلى أن وفاق السعودية مع خصوم في المنطقة قائم على نهج الرياض المتعلق بالأمن الإقليمي.
وترى الوكالة أن وضع محمد بن سلمان اكتسب مزيداً من القوة، عندما لجأت اقتصادات غربية إلى المملكة العام الماضي للمساعدة في ترويض سوق النفط المضطربة جراء الحرب في أوكرانيا، وأتاح هذا الفرصة للأمير لشن هجوم دبلوماسي تضمن حضوراً بارزاً في القمة.
وفي غضون ذلك، تجلّى تحوّل اتجاه السعودية بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة عندما توسطت الصين هذا العام في تسوية بين الرياض وإيران بعد سنوات من العداء.
ولم يأتِ الاتفاق انطلاقاً من قوة السعودية، إذ خرج حلفاء إيران أقوى من حلفاء المملكة في العراق وسوريا ولبنان وسيطروا على معظم الأراضي المأهولة بالسكان في اليمن، حسب رويترز.
ومع ذلك، فقد أظهر الاتفاق أن الرياض قادرة على تقليص خسائرها والتعاون مع خصوم وأعداء الولايات المتحدة من أجل دعم مصالحها الإقليمية، مثل تهدئة حرب اليمن حيث تتعثر القوات السعودية منذ عام 2015.
علاقات نفعية
قال مسؤول خليجي لرويترز إن العلاقة الجديدة التي تتسم بالنفعية المباشرة أكثر مع الولايات المتحدة حلّت محل نموذج النفط مقابل الدفاع القديم؛ بسبب ما اعتبرته الرياض مظلة أمنية متزعزعة بعد الربيع العربي في 2011.
وذكر مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن العلاقة "مهمة تمتد لثمانية عقود وتمتد عبر الأجيال وعبر الإدارات في بلدنا وعبر القادة في المملكة العربية السعودية".
وأضاف "لدينا مصالح متعددة عندما يتعلق الأمر بعلاقتنا مع المملكة العربية السعودية... ستسعى سياستنا وتفاعلنا إلى ضمان أن تظل علاقتنا قوية وقادرة على مواجهة تحدياتنا المشتركة في المستقبل".
وأشار مصدر سعودي مقرب من دوائر الحكم إلى ما اعتبره تهاوناً في تطبيق العقوبات على إيران وخفض عدد القوات في سوريا.
وقال "أعتقد أن دول المنطقة، كنتيجة لذلك، ستفعل ما هو أفضل بالنسبة لها".
وفي غضون ذلك، انزعجت الرياض من سحب الولايات المتحدة دعمها للعمليات السعودية في اليمن، التي بدأت بعد أن حثت واشنطن مراراً المملكة على تحمّل مسؤولية أمنها.
وقال المصدر إنه بدون تدخّل أميركي مباشر أو دعم لجهودها العسكرية، لم يكن أمام الرياض خيار سوى إبرام صفقة مع إيران حتى لو أزعج ذلك واشنطن.
وأضاف "هذه تداعيات التصرف الأميركي".
وقال المسؤول الخليجي إن كل جانب لديه قائمة طلبات لا يرغب الآخر في الموافقة عليها.
(م ش)