"تنظيم القاعدة".. استغلال للظروف وطموح مستمر في سوريا -1

يعود تاريخ ولادة "تنظيم القاعدة" إلى مرحلة الحرب الباردة بين قطبي الصراع العالمي "الولايات المتحدة الأميركية – الاتحاد السوفيتي"، فما هي الظروف التي نشأ من خلالها التنظيم؟ وكيف ساهم الصراع الدولي والحروب في المنطقة والانسداد السياسي في الشرق الأوسط بتمدده؟

بات "تنظيم القاعدة" موجوداً في أغلب دول المنطقة متجاوزاً كافة الحدود، وكان الصراع بين أميركا والسوفييت في أفغانستان نقطة البداية لهذا التنظيم، كما ساهمت الحروب التي شنت في دول المنطقة والانسداد السياسي وتهميش مكونات وطوائف عديدة بانتشار هذا التنظيم.

في هذا التقرير المؤلف من جزأين سنتطرق إلى المرحلة التي سبقت ولادة تنظيم القاعدة وكيف نشأ، بالإضافة إلى تمدده في دول المنطقة، إلى جانب استغلاله لما يسمى بالربيع العربي، كما سنركز على وجود "تنظيم القاعدة" في سوريا وكيف حاول التخفي تحت أسماء متنوعة.

"تنظيم القاعدة" مرحلة النشوء وما قبلها

تزامن اندلاع الحرب الأهلية الأفغانية مع تصاعد الحرب الباردة بين قطبي الصراع العالمي (الولايات المتحدة الأميركية – الاتحاد السوفيتي) وشكلت جبهة أفغانستان أحد أهم حدود هذا الصراع.

اغتنمت الولايات المتحدة الأميركية، دخول القوات السوفيتية إلى كابول كفرصة لتفكيك الاتحاد السوفييتي من خلال جبهة أفغانستان.

نجحت الولايات المتحدة الأميركية في صناعة حلف غربي - عربي - إسلامي وعبر استثمار العامل الديني من خلال بناء شبكات "جهاد تضامني لتحرير أفغانستان من الغزو السوفييتي".

استقطب "الجهاد الأفغاني" معظم رموز ومنظري "الحركات الجهادية" وفي مقدمتهم عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وآخرين والذين أنشأوا معسكرات خاصة بهم، فشكلت ظاهرة "الأفغان العرب" الخزان الرئيس لـ "تنظيم القاعدة" والذين عادوا فيما بعد إلى بلادهم مشبعين بفكر هذا التنظيم.

وكان النصيب الأكبر من المتطوعين هم من جماعة الإخوان المسلمين وخصوصاً التيار القطبي فالموجة الأولى كانت أقرب إلى السلفية الإخوانية الحركية أمثال عبد الله عزام وأسامة بن لادن وقد وصل عدد المتطوعين العرب حوالي أربعين ألف بحسب المنظر الجهادي أبو مصعب السوري.

لا يوجد وقت دقيق لتأسيس "تنظيم القاعدة" لكن بحلول 1988 بدأ بن لادن العمل على ترسيخ منظومة جهادية أكثر بيروقراطية وذلك عبر وضع قوائم وسجلات لأسماء الأعضاء وغيرها من الأمور، وأطلق عليها سجل القاعدة.

انتهاء دور "القاعدة" بعد خروج السوفييت وبدأ العداء مع أميركا

في عام 1989 خرجت القوات السوفيتية من أفغانستان وسقطت الحكومة المدعومة من السوفييت في كابول في نيسان 1992 وتلا ذلك حرب أهلية بين الفصائل الأفغانية استمرت حتى ظهور حركة طالبان التي اكتسحت الفصائل وسيطرت على معظم الأراضي الأفغانية عام 1994، في ذلك الوقت عمدت الولايات المتحدة بعد خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان إلى الضغط والتضييق على "الأفغان العرب".

حملت نهاية 1994 إرهاصات فشل سياسات "الجهاد التضامني" وبداية البحث عن استراتيجية جديدة في ظل تنامي حالة العداء للولايات المتحدة الأميركية عموماً والأنظمة العربية والمملكة العربية السعودية بشكل خاص.

دفع الفشل المتكرر إلى تأسيس تنظيم القاعدة لمنظومة جهادية عالمية تدعي العمل على "رفع الهيمنة الغربية عن المنطقة العربية والإسلامية" وتنامت السردية الجهادية القائلة بأن "العدو القريب" الذي تمثله "الأنظمة الديكتاتورية العربية والإسلامية" لا يقوم مستقلاً بذاته وإنما يستند إلى "القوة الإمبريالية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها" وبهذا بدأت تتسرب سردية "أولوية القتال ضد العدو البعيد" وعولمة الجهاد مستغلة ظروف محلية ووطنية تتمثل بالانسداد السياسي في الدول العربية وتعثر مشروعات التحول الديمقراطي وتهميش مكونات وطوائف معينة، وظروف أخرى إقليمية ودولية كالصراع بين القوى الكبرى.

"تنظيم القاعدة" أظهر عداءه للولايات المتحدة الأميركية والسعودية بعد قيام صدام حسين بغزو الكويت في 2 آب 1990، واتخذت السعودية قرارها باستدعاء القوات الأميركية ولاحقاً تم بروز "نزعة جهادية" أكثر راديكالية بدأت تشكك في شرعية نظام الحكم السعودي وكان بن لادن خلال هذه الحقبة أحد أبرز المشككين حيث تعرض للتضييق والمحاصرة قبل أن يتمكن من مغادرة السعودية.

في 23 شباط 1998، أعلن بن لادن عن تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين"، عقبها بدأ بن لادن الإعداد لضرب الولايات المتحدة مستفيد من وجود شبكات للقاعدة في شرق إفريقيا واليمن، ومن أبرز الهجمات ما تحقق صبيحة يوم 11 أيلول 2001 عندما شهد العالم انهيار برجي مانهاتن والهجوم على مقر وزارة الدفاع الأميركية.

أحداث 11 أيلول المفصلية.. إضعاف في المركز وانبثاق للفروع

رداً على أحداث أيلول قامت الولايات المتحدة الأميركية بغزو أفغانستان في تشرين الأول 2001 لكن الكثير من الخبراء والمحللين اعتبروا أن إدارة جورج بوش استغلت هذه الهجمات لتبرير استراتيجية سياسية تقوم على التوسع.

وعلى الرغم من تمكن واشنطن من إضعاف القاعدة من خلال اعتقال واغتيال عدد من قيادته، إلا أن هذه العمليات لم تتمكن من القضاء على تنظيم القاعدة وإنما عملت على تحول التنظيم من الإدارة المركزية إلى نظام اللا مركزية وانبثق عن المركز فروع عديدة.

في الوقت الذي كان "تنظيم القاعدة" يعاني فيه من فقدان الملاذات الآمنة ويشهد تراجعاً ويوشك على التفكك والانهيار، أطلق الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش حملته العسكرية على العراق في 20 آذار عام 2003، والتي كان من المفترض أن تطيح بنظام صدام حسين الاستبدادي واستبداله بنظام ديمقراطي لكنها عملت على توفير ملاذات آمنة جديدة لـ "تنظيم القاعدة".

إبان حملة الاحتلال الأميركي للعراق أعاد "تنظيم القاعدة" تموضعه في العالم العربي عموماً وبدأ بتأسيس فروع إقليمية حيث برز في العراق تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بتاريخ 8 تشرين الأول 2004، وفي اليمن ظهر تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" بعد اندماج الفرعين اليمني والسعودي في كانون الثاني 2009، وفي المغرب العربي برز تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" عام 2007، وفي الصومال برزت "حركة الشباب المجاهدين".

(م)

ANHA


إقرأ أيضاً