في الذكرى السنوية الأولى لثورة المرأة الحياة الحرية.. أين وصل نضال المرأة؟ - هيفيدار خالد
في مثل هذا اليوم قبل سنة من الآن، وتحديداً في الـ 16من شهر أيلول من العام الماضي، اندلعت شرارة ثورة نسائية عارمة شهد لها التاريخ.. فتيلها كان مقتل شابة كردية في قلب العاصمة الإيرانية طهران على يد ما تسمى شرطة الأخلاق بحجة عدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح.. وللقصة بقية.
كانت الشابة الكردية جينا أميني قادمةً من مدينة سقز الكردية بمحافظة كردستان مع ذويها لزيارة أقاربها في طهران، عندما تعرضت لها دورية ما تسمى شرطة الأخلاق بحجة أنها لم ترتدِ الحجاب بشكل صحيح، وعلى أثر ذلك تم اعتقالها، وبعد تعرضها للضرب المبرّح دخلت في غيبوبة فقدت بعدها حياتها.
انتشر خبر مقتل جينا أميني كالنار في الهشيم بعد تداول صور لها على مواقع الإنترنت وهي ترقد في المشفى وعلى وجهها كدمات تؤكد صحة الأخبار التي تقول إنها تعرضت للضرب على يد السلطات، لكن سرعان ما عبّر الجميع عن سخطهم وغضبهم حيال ما تعرضت له الشابة الكردية ذات الـ 22 ربيعاً، خاصة النساء ومن مختلف الثقافات وأطياف ومكونات الشعب في إيران. وخرجت الجموع إلى الساحات في احتجاجات شعبية واسعة ضد سياسات النظام الإيراني وصرخت ضد أجهزته الأمنية بعد تزايد انتهاكاتها للحريات وممارساتها القمعية في البلاد واحتلت المرأة الكردية الصفوف الأمامية تحت الشعار التاريخي "المرأة، الحياة، الحرية".
شعار "المرأة، الحياة، الحرية" الذي شاع ذكره على ألسنة المحتجين واستوطن قلوبهم، سبق أن رددته النساء الكرديات في شمال كردستان وتركيا وروج آفا، وأصبح الشعار الرئيس في الاحتجاجات، بعد أن ألهم قلوب جميع النساء في العالم أجمع، فبات مصدراً للقوة والثقة والإرادة والنضال المشترك في وجه المنظومة الأبوية الحاكمة، بعد أن أثبت أن فلسفة المرأة الحياة الحرية هي خريطة النضال الحر في القرن الحادي والعشرين. وهو شعار مستلهم من أفكار القائد عبد الله أوجلان حول المرأة. نعم النساء بشعارهن هذا، كن وما زلن في صدارة هذه المعركة ومن المدافعين الحقيقيين عنها. إذ أكدن مراراً وتكراراً عبر وقفاتهن واعتصاماتهن أن زمن الأنظمة الديكتاتورية والنظام المتسلط والذهنية الذكورية قد ولّى، وأن المعركة اليوم معركة أيديولوجية حقيقية من أجل تغيير النظام السياسي في البلاد.
النساء الكرديات والإيرانيات الشجاعات اللواتي ساهمن منذ اليوم الأول في الحركة الاحتجاجية التي تلاقت فيها كافة ألوان قوس قزح في إشارة إلى التنوع الثقافي والعرقي للمكونات المشاركة فيها، أضفن لتلك الاحتجاجات القوة وبعثن فيها الإرادة الحرة والعزيمة والإصرار على النضال الأيديولوجي في وجه كافة السياسات والانتهاكات والممارسات التي تحاول استهداف إرادة المرة الحرة، التي تحققت بفضل النضال المتواصل. ولأن الخطوات الجريئة والطفرات الكبرى من قبل النساء دائماً ما تواجَه بالعنف والرعب من قبل سلطة الرجل فلا بد للنساء أن يرددن بوسائل وأساليب بنائه بهدف الحفاظ على زخم ثورتهن العالمية.
السلطات الإيرانية عملت كل ما بوسعها لقمع الاحتجاجات ومنع النساء من المشاركة فيها وخاصة الطالبات اللواتي وقفن ضد إجراءات النظام التعسفية بحق المحتجين والمحتجات، لا سيما بعد إقدام تلك السلطات على تسميم الطالبات في العديد من الجامعات الإيرانية وملاحقتهن في الساحات، موضحة بذلك الوجه الحقيقي لعنف المنظومة الأبوية وانتهاكاتها ضد الأفراد المعارضين لها وبث الخوف والرعب في قلوب المحتجين، مستخدمة شماعة العار الذي يعد من أبرز أدوات النظام الأبوي لقمع النساء في وقتنا الراهن، إضافة إلى أساليب الخوف والترهيب. ودائماً ما يتم معاملة النساء المناضلات على أنهن خطر أمني على أنظمتهم لذا يهاجمونهن باستمرار محاولين القضاء على نضالهن وكيانهن من الجذور وصد مقاومتهن.
غيّرت الثورة النسائية في إيران وروجهلات كردستان، مسار حياة الكثيرين، وفتحت آفاقاً واسعة أمامهم، كما أن المناشدات المطالبة بتحقيق تغيير جذري وحقيقي في النظام السياسي الحالي قد ازدادت بشكل ملحوظ، وبات العمل والنضال من أجل بناء ثقافة حوار قائمة على معطيات وأسس فكرية وديمقراطية، بارزاً أكثر من أي وقت مضى، لأن الاختلاف دائماً لا يفسد في الود قضية كما يقال. لتطرأ بعدها العديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الإيراني بعد أن كسرت النساء حاجز الخوف واستطعن تنظيم صفوفهن وتوحيد مواقفهن.
فنضال المرأة الكردية والإيرانية ضد قوانين السلطات الإيرانية وخاصة فيما يخص فرض الحجاب الإجباري هو في الأساس نضال ضد كافة القوانين والتشريعات التي تطبق وتفرض عليها من قبل هذا النظام. إلى جانب مطالبتها بالحرية الفكرية والسياسية وحرية التعبير عن رأيها. بالطبع الحصول على كل هذه الحقوق المشروعة والمطالب يمر من النضال والكفاح، فالمرأة هي القوة والديناميكية الرئيسة للتغيير والتحول، لذلك فهي وحدها من تستطيع تأمين وتحقيق حرية المجتمع.
ومن الضروري في ذكرى ثورة جينا، ثورة المرأة الحياة الحرية، أن يكون هناك دعم ومشاركة أكبر من أي وقت مضى، من قبل الجميع في الاحتجاجات التي ستنظم بهذه المناسبة العظيمة، والوقوف في وجه محاذير المنع المطبَّقة بحقهم. فثورة الحرية في شخصية المرأة هي ثورة كل فرد في المجتمع، ومن رحم المعاناة تولد الحياة ومن الألم يخرج الأمل. وليسفر وجه النساء المناضلات والمتألقات في ساحات النضال فرحاً وجمالاً وألقاً بعد الظلم والاستعباد والقهر.
نعم نضال المرأة وصل إلى مرحلة مهمة وعلى جميع النساء تكثيف جهودهن أكثر لتحقيق المطالب التي خرجت من أجلها النساء الكرديات والإيرانيات وهي تغيير النظام السياسي القائم على أيديولوجية دينية متزمتة تسعى للتوسع في المنطقة، والعمل من أجل تحقيق الديمقراطية في المجتمع وبالتالي حصول الجميع على حقوقهم التي حرموا منها لسنوات طوال. هناك رغبة حقيقية لدى الشعب الإيراني وعلى وجه الخصوص النساء باستمرار النضال من أجل خلق أرضية ديمقراطية تمهد لترسيخ أسس العيش الكريم ومبادئ الحياة الحرة، وبالتالي تهيئة الظروف لعملية التغيير في إيران.
بعد أن كان اسمها يعني الحياة بات اليوم الحياة بكل معانيها... جينا رمز النضال ومنارة الطريق أمام السائرين نحو الحرية عبر ثورتها، ثورة المرأة الحياة الحرية التي فتحت الطريق أمام تحقيق ثورة فكرية ليس فقط في إيران وحدها بل في كافة أنحاء الشرق الأوسط، نعم ثورة جينا هي السبيل إلى تحرير المجتمع من براثن وسياسات الأنظمة الشمولية التي تتحكم بإرادة الشعوب التواقة للحرية والعيش الكريم وتحقيق مطالب النساء جميعها.