سايكس بيكو جرّت الشرق الأوسط إلى أزمة خانقة ومأزق سحيق

يؤكد القائد عبد الله أوجلان أن اتفاقية سايكس بيكو جرّت الشرق الأوسط إلى أزمة خانقة ومأزق سحيق، والخرائط المرسومة بالمسطرة نداء لإشعال فتيل الحرب. والآن يسعى الشعب الكردي وعبر عقد علاقات استراتيجية لتأطير مشروع الإدارة الذاتية، لمحو خطوط مظلمة تم رسمها قبل 107 أعوام.

سايكس بيكو جرّت الشرق الأوسط إلى أزمة خانقة ومأزق سحيق
15 مايو 2023   22:19
مركز الأخبارـ أحمد سمير

بعد تجزئة كردستان إلى جزأين في اتفاقية (قصر شيرين 1639) بين الصفويين والعثمانيين، جاءت اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة لاستكمال إجراءات التجزئة النهائية، ومزقت هذه المعاهدة جسد الكرد وكردستان، وزعت بشكل مجحف بين أربع دول (تركيا، وإيران، وسوريا، والعراق).

سايكس بيكو وتجزئة كردستان

تبدأ القصة قبل 107 أعوام خلال اجتماع ثلاثي المصالح والأطماع (فرنسا، وبريطانيا وروسيا) في الـ 23 من تشرين الثاني 1915، لبحث الترتيبات المقبلة لـ 100 عام في الشرق الأوسط وكيفية تقاسم النفوذ فيما بينهم إبان الحرب العالمية الأولى.

وأفضت هذه الاتفاقية إلى ولادة معاهدة تعرف بـ سايكس بيكو، نسبة إلى الموقعين على وثائق مذكرة تفاهم بعد توافق فرنسي بريطاني روسي، في التاريخ الممتد من 23 تشرين الثاني 1915، إلى 3 كانون الثاني 1916.

بموجب الاتفاق استولت فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة، واستولت بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق، وميناء عكا وحيفا في فلسطين، واستولت روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان.

تمت المصادقة النهائية على الاتفاقية في الـ 16 من أيار 1916، وهيأت هذه المعاهدة لتجزئة كردستان إلى 4 أقسام.

من كشف خيوط هذه الاتفاقية السرية؟

كانت ستبقى هذه المعاهدة سرية لولا وصول الشيوعيين إلى دفة الحكم في روسيا عام 1917، وكشف النقاب عن المستور، مما أثار غضب واستياء شعوب المنطقة.

وفي تلك الحقبة كان العثمانيون في وضع هزيل يرثى له بعدما تلقوا هزيمة مدوية أفقدتهم السيطرة على معظم الأراضي التي كانوا قد احتلوها، لتدفع بالمنتصرين في الحرب العالمية الأولى إلى السيطرة على حدود تركيا الحالية.

أسلاك وحدود اصطناعية حطمت آمال الكرد

ومع رسم الخرائط، التي قسمت منطقة الشرق الأوسط وفي قلبها كردستان التي وقعت في مصيدة شباك هذه الدول، لم يتم إيلاء أي أهمية للأعراق والثقافات والقوميات التي سلبت أراضيهم بين مخالب الاتفاقية المجحفة بحقهم.

وضمت كردستان إلى الدول (سوريا والعراق وإيران وتركيا) التي تم اصطناعها بوضع حدود اصطناعية وأسلاك شائكة بموجب اتفاقية سايكس بيكو، ما حطم آمال الكرد في تقرير مصيرهم، بعد مكائد ومؤامرات وزيف وعود الدول.

وكشرت هذه الدول عن أنيابها وبدا واضحاً مساندتهم لتركيا في إقامة حدودها الحالية في معاهدة لوزان 1923، مقابل تخليها عن الموصل للبريطانيين، فيما قدّمت فرنسا لواء اسكندرون السوري على طبق من ذهب لتركيا عام 1938.

في ضوء هذه التطورات، ظل شبح المجازر القتل والذبح والحرق والإعدام والتهجير والاضمحلال يطارد الكرد في أجزاء كردستان الأربعة.

"نداء لإشعال فتيل الحرب"

يكشف القائد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس لمانيفستو الحضارة الديمقراطية القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية، في جزء القضية الكردية وتوازنات الدولة القومية في الشرق الأوسط، أهداف هذه المعاهدة ويؤكد: "هذه الاتفاقية جرّت الشرق الأوسط إلى أزمة خانقة ومأزق سحيق، في حين كانت الخرائط المرسومة بالمسطرة نداءً لإشعال فتيل الحرب."

ويشير القائد عبد الله أوجلان أن الهدف الأول: "يتمثل في تجذير تناقضات الكرد مع الشعوب العربية والتركية والإيرانية التي لطالما تشاطر معها العيش على مر التاريخ والإبقاء عليهم في حالة من الاقتتال الدائمة".

ويوضح القائد عبد الله أوجلان أن الهدف الثاني هو تزويد الدول القومية الأرمنية والسريانية واليهودية بمواطن فسيحة على خلفية التخطيط لتصفية الكرد عن بكرة أبيهم، وبهذا المنوال كانت ستكسب من الجهة الأولى ثلاث دول قومية عازلة جاهزة لأداء دور الحلقة الوسيطة ولتقديم الولاء المطلق لها، وكانت من الجهة الثانية ستؤلّب الكرد باستمرار على جيرانه المسلمين والمسيحيين واليهود، لتبقيهم يتخبطون في معمعان المشكلات".

الاتفاقية مستمرة بشكل آخر

استكمالاً لاتفاقية سايكس بيكو التي تغيرت فيها قواعد اللعبة واللاعبين، يحشد أبرز اللاعبين: أمريكا وروسيا وإيران وتركيا قواهم، في هذه المنطقة التي قُسّمت إلى أربعة أجزاء لتنفيذ مصالحهم ومطامعهم.

الشرق الأوسط.. وأزمة الهوية

تنزف منطقة الشرق الأوسط دماً نتيجة الحروب الطائفية والمذهبية والصراعات الإثنية وأزمة الهوية، والشعب الكردي في قلب هذه العاصفة، وتجاهل قضيته وحقوقه والشعوب الأخرى غير ممكنة بعد اليوم، خاصة أنهم أسسوا قوة منظمة تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية.

لن يكونوا كبش الفداء من جديد

شعوب المنطقة لن يتساهلوا مع مظالم التاريخ والجغرافية التي تعرضوا لها؛ لذلك ولكي لا يكونوا كبش الفداء من جديد، وطد (الكرد والعرب والسريان والأرمن والتركمان والشركس) من علاقاتهم مستفيدين من التجارب والعبر السابقة كي لا يقعوا ضحية للخداع الدولي ومكائده.

اتفاق استراتيجي لمحو الخطوط

الاتفاق الاستراتيجي بين الشعوب مكّنهم من القضاء على أخطر جماعة تشكل خطراً للعالم متمثلة بـ داعش، اتفقوا سوياً على تأطير مشروع الإدارة الذاتية اللامركزية، لمحو الخطوط التي رسمتها سايكس بيكو.

تركيا تعمل لوأد هذا الحلم

تركيا وفي عهد أردوغان توددت كثيراً في استعادة الحقبة العثمانية السابقة، وتوسيع الخرائط على حساب الشعوب مجدداً، ومستعدة للتحالف مع ألدّ أعدائها لوأد هذا الحلم في مهده.

لأول مرة، شجعت كل من أمريكا وروسيا تركيا على مهاجمة مناطق شمال وشرق سوريا، بعد إفساح المجال الجوي لطائراتها بشن هجوم على جبل قره جوخ في ديرك 25 نيسان/إبريل 2017، مما دفع تركيا للتمادي واحتلال منطقة عفرين في 2018، ومنطقة سري كانيه وكري سبي/تل أبيض في 2019.

تتطلّع تركيا اليوم إلى عقد اتفاقات مع روسيا وإيران لإعادة علاقاتها مع حكومة دمشق، والغرض من ذلك إحياء اتفاقية أضنة 1998 للانقضاض على مشروع الإدارة الذاتية، كذلك تحشد مساعيها على الصعيد الاستخباراتي لإضعاف المشروع عبر استهداف رياديي وقيادي مشروع الإدارة الذاتية.

وبعد أكثر من قرن على اتفاقية سايكس بيكو، وتقسيم كردستان، لا يبدو حال هذه الدول جيدة؛ فالعراق لم يستقر وضعها بسبب الحروب الطائفية والعرقية، وسوريا مدمرة، وتركيا منهارة اقتصادياً ومتأزمة داخلياً، وإيران تثور.

(أ ب)

ANHA