أنمار الدروبي: أردوغان أخطر سياسي في الشرق الأوسط
وصف الكاتب والباحث السياسي ودكتور العلوم السياسية، أنمار نزار الدروبي، رئيس دولة الاحتلال التركي رجب طيب أردوغان بأنه أخطر سياسي في منطقة الشرق الأوسط، وقدّم مجموعة من التوصيات لمجابهة خطر مرتزقة داعش المتنامي في المنطقة.
الدروبي تحدث بشكل مطول عن طبيعة الايديلوجية لمرتزقة داعش والتنظيمات الجهادية التي سبقته، وسلط الضوء على الدعم التركي للمجموعات المتطرفة بدءاً من الإخوان ووصلاً إلى مرتزقة جبهة النصرة وداعش.
كما أشاد بمقاومة قوات سوريا الديمقراطية، واقترح في حوار مع وكالتنا مجموعة من التوصيات لإلحاق الهزيمة النهائية بمرتزقة داعش والتنظيمات الجهادية.
وفيما يلي نص الحوار:
* ما مدى خطورة داعش على المنطقة والعالم أجمع؟
البنية الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلاميّة داعش:
قبل أن نتكلم عن مدى خطورة تنظيم داعش الإرهابي، لا بد من التطرق إلى البنية الأيديولوجية للتنظيم، وفي تحليلنا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نلاحظ أنها قد لا تكون ظاهرة مؤقتة، تزول بزوال أسبابها، وإنما ستظل معنا؛ كونها تعبّر عن تيار أيديولوجي يسمى (تيار الخلافة). والمقصود هو وجود جماعات وحركات وتنظيمات تتخذ من مسألة الخلافة بُعداً أيديولوجياً ترتكز عليه، وذلك باعتبار أن الخلافة مسألة ساكنة في خيال الإسلاميّين ولا يمكنها أن تتغير، على الرغم من أن هناك الكثير من التنظيمات والحركات والأحزاب الإسلامية التي تخلت فكريّاً وعمليّاً عن فكرة الخلافة بمعنييها التاريخي والديني.
ولدى تفكيك الخطاب الأيديولوجي لداعش، نرى أن دور الزرقاوي كان بارزاً في وضع اللبنات الأولى لداعش أيديولوجيّاً وفكريّاً. وقد استند خطاب داعش إلى أفكار أبي الأعلى المودودي وسيد قطب وغيرهم من منظري السلفية الجهادية، وهي، الحاكمية والجاهلية والتكفير والجهاد. ولهذا فإن فتنظيم داعش يتبع الأصول النظرية والتاريخية المؤسسة لهذه المفاهيم، بدأ من كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب وصالح سرية وجيهان العتيبي ومحمد عبد السلام فرج، وصولاً إلى كتابات أبي عبد الله المهاجر.
وينتمي تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) أيديولوجيّاً إلى السلفية الجهادية، والفكر والجهاد العالمي، مع أنه يضع بصمته على مرحلة جديدة في التطور، أو التحول في الفكرة الأيديولوجية الواحدة. فلم يورّث زعيمه أبو بكر البغدادي الإرث الدمويّ لسلفه أبي مصعب الزرقاويّ فحسب، بل عمل وفق منهج أسامة بن لادن وأفكاره وأفكار السلفيين الجهاديين، فأصبح زعيماً لحركة الجهاد العالمي من دون منازع. وبما أن لحركة الجهاد العالمي، منذ خمسين سنة من عمرها، مخزوناً من الأفكار وإطاراً مرجعيّاً، ومنظرين، وآلاف الأتباع والانتحاريين، فهنا تكمن مدى خطورة هذا التنظيم الإرهابي على العالم، وقد شكلت هذه الحالة مصدر إلهام للمتطوعين الجدد، وبالتالي كان في مقدور تنظيم الدولة الإسلامية أن يتبنى هذا المخزون، فيكرر المفاهيم القديمة، ويقدمها في صيغة جديدة أو بطريقة ثورية، إذ استخدم التنظيم خطاب الأيديولوجيا الدينية بشكل مؤثر. وكذلك اعتمد داعش على تفسير مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وبعض الشواهد التاريخية، من فعل الخلفاء الراشدين والصحابة والسلف وتأويلها في تحديد مفاهيم الحاكمية والطاغوت، وكذلك مفاهيم الولاء والبراء، والموالاة الكبرى والصغرى مع الحكام والطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله بحسب ادعائهم.
* كيف تقيّمون مقاومة قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش؟
بلا شك، كانت وما زالت قوات سوريا الديمقراطية، وما قدمته من مقاومة ضد تنظيم داعش الإرهابي، حدثاً عظيماً جسدته الفصائل الثورية في كوباني متمثلة بالمرأة السورية والرجل السوري، وحتى الشيخ الذي أبدى رفضه لهذا التنظيم المجرم، فهي مقاومة عظيمة لا تختلف قيد أنملة عن حركات التحرر في العالم.
* لماذا تدعم دولة الاحتلال التركي مرتزقة داعش؟
ما يسمى بسلطان الإخوان المسلمين (أردوغان) هو أخطر (شيطان) سياسي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن بعباءة التدين، لا سيما أنه قد تفوق على ميكافيلي في الانحطاط السياسي، فلم تبقَ وسيلة شيطانية أو فعل إجرامي وإرهابي لم يرتكبه أردوغان، وعلى أقل تقدير ساعد فيه وقدم الدعم له، والمصيبة الكبرى أن أردوغان يبرر هذه الأفعال من جانب ديني. إلى مستوى غسل عار الميكافيلية في بشاعة جرائمها وسلوكها غير الأخلاقي.
* مؤخراً، شنت دولة الاحتلال التركي هجوماً واسعاً على شمال وشرق سوريا، واستهدفت البنى التحية ومراكز احتجاز مرتزقة داعش، والمخيمات التي تأوي أسرهم، والقوات التي تحمي المخيمات، برأيكم ما الهدف من ذلك؟
بداية، أجرى حزب العدالة والتنمية بعد توليه السلطة في تركيا عام 2002م مراجعة شاملة للسياسة الخارجية التركية، التي تقوم على أساس الاستفادة من موقع تركيا، والتوسع والبحث عن نفوذ إقليمي في المنطقة العربية. وكما كان لإيران أهدافها وأطماعها في الوطن العربي، فإن لتركيا أيضاً مرتكزات تعوّل عليها لإدامة تفوقها الإقليمي ومحاولة تعزيز هذا التفوق في المنطقة العربية، وعلى أثر المتغيرات السياسية التي شهدها النظام الإقليمي العربي، سعت تركيا إلى ضرورة التعامل مع هذه المتغيرات وفق أيديولوجيتين، الأولى: الأيديولوجية الإسلامية ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، والثانية: الأيديولوجية القومية، وتتمثل في دعمها ومساندتها للقومية التركية، لكن الأساس في السياسة التركية أنها لا تخرج عن إطار المنافسة مع إيران القوة الإقليمية الأخرى في المنطقة.
ومع اندلاع احتجاجات الربيع العربي عام 2011م، تعاملت تركيا مع الانتفاضات العربية وفقاً لموازين مصالحها العليا وإمكانية التأثير فيها، إذ تعاملت تركيا مع هذه الاحتجاجات من زاوية سياسية، عبر تقديمها الدعم العسكري واللوجستي للتيار الإسلام الراديكالي في دول الربيع العربي، كان أبرزها عندما دعمت حزب النهضة التونسي، أحد أكبر أفرع جماعة الإخوان المسلمين في تونس، وكذلك دعمت جماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال فترة حكمها لمصر وبعدها.
لكن المخططات التركية قد تهاوت، خاصة بعد فشل حكم الإخوان المسلمين في مصر، ولم يستطع أردوغان تحويل تنظيم الإخوان المسلمين إلى القوة الجديدة التي تحكم العالم الإسلامي، وفتح الطريق على مصراعيه أمام الجهاد الإسلامي بديلاً لملء الفراغ الذي خلّفه حكم الإخوان المسلمين في مصر.
وفي قضية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، عملت تركيا على دعم هذا التنظيم الإرهابي، إذ فتحت حدودها لعبور الإرهابيين الأجانب من مختلف دول العالم إلى سوريا والعراق، حتى أن الإرهابيّين كانوا يطلقون على تركيا بوابة الجهاد. وتراوح الادعاءات بين التعاون العسكري ونقل الأسلحة والدعم اللوجستي والمساعدة الماليّة وتوفير الخدمات الطبية، وبالتالي فإن تركيا قد وفرت المال والتدريب للجماعات الإرهابية على أراضيها.
* برأيكم ما المطلوب للقضاء على خطر داعش الذي بدأ في التنامي مؤخراً؟
يشكل موضوع داعش الإرهابي أهمية تتخطى غايتها كونها مادة إعلامية؛ لأن موضوعنا في مجمله يتفاعل مع واقع يعيشه العالم وتحديداً أمتنا وأوطاننا، وما زال يتفاعل في طور هذا التحول الذي يستوجب نشوء دولة مؤهلة لقيادة المجتمع والسير فيه إلى برّ الأمان والاستقرار في خضمّ عالم تعصف فيه رياح التغيير، وتتلاطم فيه أمواج الصراع، وتنتشر فيه ظاهرة العنف الإرهابي بشكل كبير جدّاً.
إن الموضوع الذي تم تناوله يحتاج إلى مواصلة البحث من قبل الباحثين؛ لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الحالة الراهنة التي تعيشها المجتمعات العالمية؛ بسبب ظاهرة العنف الإرهابي، هذه الظاهرة التي تتحمّل مسؤوليتها الأطراف الدولية والإقليمية، وكذلك الدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني. وبناءً على ذلك أطرح مجموعة من التوصيات:
1ـ تستدعي الحاجة مزيداً من الدراسات التي تتناول موضوع الفصل بين الفكر الديني باعتباره تعبيراً عن اجتهادات بشرية قابلة للنقض والتعديل والجرح، وبين مبادئ الدين الإسلامي كثوابت مقدسة لدى المسلمين. وكذلك ضرورة الفصل بين المرجعية الأيديولوجية ذات الطابع الثابت وبين الممارسة السياسية التي يحكمها سياق متغير.
2 ـ أثبتت المنطلقات الفكرية للإسلام السياسي، بصورة عامة، وداعش تحديداً ومواقفه السلبية من الدولة والسلطة والمجتمع، عدم انسجامها مع الأصول والقواعد الفكرية التي تمثل الركائز النظرية للشريعة الإسلامية، فخطاب داعش التكفيري حوّل التنافس السياسي إلى معركة وجودية دينية انتصارهم فيها يمثل انتصاراً للإسلام من منظورهم، وخسارتهم تمثل هزيمتهم أمام خصومهم من أعداء الإسلام، لذلك يجب تفكيك الخلط بين هذه الأفكار ومبادئ الدين الإسلاميّ، بمعنى أنه ينبغي التفرقة بين الإسلام كونه ديناً وبين الإسلام كونه سلوكاً ومنهجاً يجسده تنظيم داعش.
3 ـ معالجة إشكالية داعش، لا يمكن أن تتم بالاعتماد على بدائل تقليدية لا تختلف في جوهرها عن مشروع الإسلام السياسي نفسه، بل من خلال قراءة نقدية لنصوص داعش ومواقفه من خلال المناهج العلمية الحديثة في مقارعة الحجج والمرجعيات التقليدية التي يستند إليها داعش. في المقابل يجب على التيارات المدنية أن تتفاعل مع الجماهير وأن تقدم ثقافة مدنية بديلة.
4 ـ بما أن الإعلام أصبح أحد أقوى أدوات الاتصـال العصـرية التي تُعين الجمهـور المتلقـي علـى معايشـة العصـر والتفاعل معه، كما أن لوسائل الإعلام دور مهم في شرح القضايا وطرحها على الرأي العام من أجل تهيئته إعلاميّاً، وبصـفة خاصة تجاه القضايا المعنية بالأمن الوطني، بالإضافة إلى ما يحصل علـى المسـرح العالمي. إذن على وسائل الإعلام أن تتعامل بمهنية وشفافية مع الممارسات الإرهابية، بمعنى أنها يجب أن تجد الحلول المناسبة والمقترحات الملائمة لمعالجة هذه الظاهرة، ولا تكتفي فقط بتغطية الظاهرة أو تسيسها وَفق مصالح وجهات معينة قد تكون السلطة أو المعارضة أو جهات سياسية أو مالية، حيث إن وسـائل الإعـلام لهـا دورٌ فاعـلٌ فـي تشـكيل سـياق الإصلاح السياسي فـي المجتمعـات المختلفة، في الوقت نفسه على العالم الإسلامي الشروع في حملة إعلامية مكثفة عبر وسائل إعلام مستقلة غير موجهة تُميز بين التعاليم الحقيقية للإسلام، بعيداً عن التفسيرات الراديكالية السياسية للدين، والابتعاد عن الأيديولوجية القائمة على الكراهية وإقصاء الآخر، وإيضاح التفسيرات الخاطئة للقرآن من طرف داعش.
5 ـ تستهدف الجماعات المتطرفــة وأبرزها داعش، فئة الشباب على المستوى العاطفي؛ لتجنيدهم. إذ تستغل جهلهم في الدين، وكذلك معاناة بعضهم حـول مسألة الهويـة والطائفة والقومية، بالإضافة إلى شعورهم بالغضب مـن الظلـم، كما تستغل داعش المدارس والجامعات والمساجد والمدارس الدينية لنشر رسالتهم، ومن هنا يجب على الأنظمة السياسية في الدول العربية توفير بيئة سياسية وفكرية تستوعب الشباب المغيبين الذين تأثروا بأفكار داعش، باعتبار أن شريحة الشباب تمثل المستقبل في البنية السياسية للمجتمعات العربية، والابتعاد عن أساليب القمع والإرهاب والإقصاء التي أثبتت فشلها في التعامل معهم. وفي السياق ذاته، نؤكد هنا مسألة الهوية التي تُسهم في تحقيق اندماج الأفراد في الجماعة وتحقيق الانسجام الداخلي.
6 ـ واستكمالاً للفقرة السابقة ينبغي تفعيل دور الأسرة؛ للقيام بواجبها من خلال قيام أولياء الأمور بتوعية أبنائهم بخطورة العنف والتطرف على المجتمع وعلى مستقبلهم بالذات، مع إعطاء أهمية لمراقبة سلوكهم وعلاقاتهم بالآخرين والحوار معهم في حالة ظهور الأفكار المتطرفة لديهم.
7 ـ لقد وفرت شبكة الإنترنت للإرهابيين والمتطرفين العديد من المنصات المتنوعة لنشر ثقافة العنف والترويج لدعاياتهم ولاستقطاب أفراد يحاربون في سبيل قضيتهم، حيث وسّعت شبكة التواصل الاجتماعي هذا النطاق، وزادت وتيرة السرعة في نشر الراديكالية والتجنيد، لا سيما أن تنظيم داعش ظل مشهوراً بسمعته القوية في الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل موقعي فيسبوك وتوتير لنشر رسائله، كما استخدم أيضاً أشكالاً أخرى من قنوات الاتصال عبر شبكة الإنترنت لنشر دعايته مثل مجلة (دابق). ونتيجة لذلك؛ هناك ضرورة أن تتبنى الدولة استراتيجيةً إعلاميةً تعتمد على تنظيم الحملات الإعلامية والتوعوية لنشر ثقافة التسامح والتعايش مع الآخرين مع ضرورة مراقبة الخطاب الديني في وسائل الإعلام ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي ومراجعة الكتب الدراسية والمصادر الموجودة في المؤسسات التعليمية، وكذلك تأكيد المؤسسات الإعلامية الالتزام بالمعايير المهنية والمعايير الأخلاقية التي تتضمن الابتعاد عن الخطابات المتعصبة، بالإضافة إلى سنّ التشريعات التي تُجرّم نشر المواد الإعلامية التي تبث الكراهية، وتحرض على العنف، ووضع استراتيجية لبرامج إعلامية مشتركة بين وسائل الإعلام العربي، تُحلل فكر التطرف وتهتم بقضايا العلم والتنوير.
(ل م)
ANHA