مصر تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو وسياسيون: كتبت شهادة وفاة حكم الإخوان
يحتفل الشارع المصري هذه الأيام، بالذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو التي وقعت في العام 2013، وتسببت في الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، القادم من على رأس جماعة الإخوان المسلمين.
القاهرة
ومنذ ذلك الحين يعتبر هذا التاريخ إجازة رسمية في البلاد، احتفالًا بهذه الذكرى، التي يراها كثيرون "ذكرى الخلاص" من حكم تنظيم الإخوان الذي أراد أن يكون قابعاً على رأس السلطة لسنوات طوال، منحازاً لجماعته وبعيداً عن المصريين.
لكن هذه الذكرى تأتي مختلفة عما سبقتها من سنوات سالفة، لاسيما وأنها تأتي تزامناً مع بداية حكم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، لولاية ثانية للبلاد، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت آذار/مارس المنصرم، وتغلبه على منافسه الوحيد موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد.
وتعتبر ثورة 30 يونيو، فأل خير على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خاصة وأنها تعتبر من قدمته للشعب المصري الذي اختاره ليكون رئيساً للبلاد في فترتين متعاقبتين، الأولى في عام 2014، والثانية 2018.
فبعد عام لم يكد ينتهي، ثار المصريون على نظام الإخوان المسلمين، الذين تمكنوا من الفوز بمقعد الرئاسة في يونيو 2012، بعد فوز محمد مرسي، على منافسه في جولة الإعادة الفريق أحمد شفيق، بفارق ضئيل في الأصوات، وما إن حل يونيو 2013 حتى كانت هناك دعوات كبيرة من قبل المعارضة المصرية بضرورة رحيل محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
كانت المعارضة المصرية ممثلة في جبهة الإنقاذ والتي ضمت داخلها عدداً من الأحزاب السياسية في البلاد، بجانب عدد من الشخصيات العامة الشهيرة ليست في مصر وحسب بل في المنطقة العربية، كان على رأسهم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق الدكتور محمد البرادعي، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
وبينما كانت جبهة الإنقاذ تتعامل بشكل شبه رسمي، من خلال التواصل مع النظام الحاكم وقتها، وعرض مطالبهم، كانت هنالك مياه راكدة ما إن تحركت حتى دفعت الشارع المصري نحو الخروج إلى الميادين بمرور الوقت للمطالبة برحيل محمد مرسي، وكانت تلك المياه التي مثلتها "حركة تمرد الشبابية"، التي راجت المحافظات المصرية من أجل الحصول على توقيعات برفض نظام الحكم.
وحددت حركة تمرد يوم 30 يونيو ليكون اليوم الذي يخرج فيه المصريون إلى الميادين، ضد نظام رأوا أنه انكفأ على نفسه، ولا يريد شريكًا له في الحكم، وأن رئيس البلاد لم يكن رئيساً لكل المصريين بل رئيساً لعناصر جماعته وحسب، بل إن ما أصدره من إجراءات وقرارات في الإعلان الدستوري الذي أعلن خلاله عددًا من القرارات التي خرقت بنود القانون والدستور وعدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات.
قبيل الثورة بأيام معدودات، ومع تنامي دعوات المطالبة برحيل رئيس البلاد، قامت القوات المسلحة بإعطاء مهلة "أسبوع"، للقوى السياسية للتوافق والخروج بحل لهذه الأزمة، لكن المهلة انقضت دون تقديم تنازلات من أي من الأطراف، وهو ما دفع بمد المهلة حتى 48 ساعة أخرى، لكن دون جدوى.
المشهد وقتها، كان منقسمًا، عدة ميادين بالقاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد وعدد من المحافظات، كانت ملأى بالمطالبين برحيل محمد مرسي، عازمين على عدم العودة إلى بيوتهم، حتى يرحل، فيما اكتظ عناصر الإخوان في ميداني رابعة العدوية والنهضة بوسط القاهرة، حتى جاء بيان 3 يوليو 2013 الذي كان بمثابة كتابة شهادة النجاح لثورة 30 يونيو، ونهاية حكم الإخوان.
وقتها كان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وزيرًا للدفاع، وهو من ألقى بيان 30 يوليو، والذي بمقتضاه، تم عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا انتقاليًا، لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإبطال العمل بالدستور الذي وُضع إبان عهد الإخوان، ووضع خريطة مستقبل تتضمن انتخابات رئاسية وبرلمانية ووضع دستور جديد للبلاد.
بهذا البيان، دخلت البلاد مرحلة جديدة من التحديات، فالإخوان حاولوا أن يخوضوا حربًا شرسة، للعودة إلى ما كانوا عليه والحصول على أي مكتسبات لكنهم فشلوا أمام الإرادة الشعبية، بهذه الكلمات يفند الدكتور علي زيدان، المحلل السياسي، الوضع وقتذاك، لافتًا إلى أن المعارضة المصرية نجحت ولأول مرة منذ عقود في لم شمل المصريين ونجاحهم في تحقيق ما كانوا يأملوا إليه.
ويرى زيدان، في حديثه لـ"وكالة أنباء هاوار"، أن ثورة 30 يونيو تخلصت من فاشية دينية، كادت أن تتسلط على البلاد لولا أنها سقطت في مهد حكمها مع انتهاء عامه الأول، بفضل تلاحم المصريين، وثقة المصريين في قواتهم المسلحة، فالجيش تدخل بعد مطالبة القوى السياسية والشعبية بضرورة أن يكون هنالك موقف للخروج من مأزق الأزمة السياسية التي دبت في البلاد.
وشهدت مصر في أعقاب ثورة الـ25 من يناير لعام 2011، والتي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والذي حكم البلاد لثلاث عقود متتاليات، انفلاتًا أمنيًا، واضطرابات لم يسبق لها في البلاد مثيلًا، ذلك لأن الشرطة المصرية وقت الثورة انسحب من الشارع، ما تسبب في أزمة أمنية كبيرة، لولا تدخل القوات المسلحة لحماية المؤسسات والمنشآت الحيوية.
فيما سقط الاقتصاد في أزمة كبيرة على إثر تلك الاضطرابات، فتوقفت السياحة التي كانت تدر دخلًا يصل إلى نحو 14 مليار دولار، ومنيت البورصة بخسائر فادحة، وهرب كثير من المستثمرين، وتأثرت كل القطاعات في أعقاب تلك الثورة، واستمرت الاضطرابات نسبيًا، حتى بعد قدوم الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي لم يتمكن من إعادة الحياة إلى شريانها الطبيعي.
الدكتور أحمد عبد الباسط، الخبير الاقتصادي المصري، يرى أن ثورة 30 يونيو، جاءت تصحيحاً لمسار الثورة التي سبقتها بعامين، خاصة أن ملامح الاقتصاد كانت تشير إلى انهيار كبير في البنية التحتية له، وكان ضروريًا إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي حتى لا تحدث المهالك، وهو ما انتهجه رئيس البلاد عبدالفتاح السيسي إثر قدومه على رأس السلطة، وهو عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبيل ثورة 2011، فعمل على عودة الأمن حتى ساد الاستقرار في البلاد، وهو ما انعكس إيجاباً على عجلة الاقتصاد وجذب الاستثمارات وعودة السياحة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، في معرض حديثه لـ"وكالة أنباء هاوار"، أن البلاد انتهجت نهجًا إصلاحيًا، خاصة فيما يتعلق بمشروع الإصلاح الاقتصادي، للوصول إلى مرحلة التعافي المالي، مشيرًا إلى أن ثورة 30 يونيو عمدت إلى تحقيق إصلاحات نوعية في كافة القطاعات الاقتصادية.
لكنه في هذا السياق، يأخذ البعض على ثورة 30 من يونيو، شيئين، الأول سياسيًا ويتمثل في أن الحريات في البلاد تضاءلت فيما يتعلق بإتاحة حرية التظاهر، وغياب أحزاب المعارضة، بما يجعل الحياة السياسية منكفئة على نفسها ولا تأتي بجديد، والثاني اقتصاديًا، فمنذ قيام الثورة وحتى اللحظة الراهنة فإن ثمة انخفاض كبير شهده الدعم المقدم للشرائح الفقيرة، وفي المقابل ارتفعت نسبة التضخم، قابلها ارتفاع في نسب البطالة.
ويقول الناشط السياسي الشاب، أحمد دسوقي، إن لكل ثورة تبعات سيئة، وكان ضروريًا اتخاذ إجراءات صعبة على كافة الملفات، حتى نقف عند نقطة ثابتة، فالأمر لا يعدو كونه خلاصًا من نظام حكم وحسب، وإنما مرحلة جديدة بها الكثير من التحديات، حيث كانت أولى تلك التحديات هو ظهور الإرهاب الشرس الذي أراد أن يضرب ربوع مصر، وينال من أبناء مصر، لازلنا نعاني تبعاته، والقوات المسلحة تحاصره من كل حدب وصوب حتى انحصر دوره في منطقة صغيرة في سيناء، لافتاً أن تلك اللحظات تمثل ظروفًا طارئة وفي فترة كهذه يتطلب الحزم.
ويؤكد دسوقي لـ"وكالة أنباء هاوار"، ضرورة سرد إيجابيات ثورة 30 يونيو، خاصة وأن مصر في أعقابها استعادت دورها المحوري إقليميًا ودوليًا، كما مكنت فئات المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، من الحصول على حقوقهم كاملة، وبدأت مؤسسات التمويل الدولية تثني كثيرًا على القرارات الاقتصادية التي اتخذت خلال السنوات الأربع الماضية، رغم صعوبتها، لكن ثمار هذا الإصلاح سيظهر في غضون أشهر.
ويصف مراقبون، ثورة 30 يونيو، بأنها أنصفت مطالب المصريين وحققت آمالهم، في ظل مطالب شعبية بوضع حد لواقع الحال المؤسف الذي وصلت إليه مصر، على يد جماعة الإخوان، التي نشرت عناصرها في كل مؤسسات الدولة، للدرجة التي وصلت تسمية هذه الخطوات الإخوانية بمحاولة "أخونة الدولة"، ولفتوا إلى أن هذا المسمى كان الأدق في ظل الحالة التي كانت عليها كافة المؤسسات، مشيرين إلى أن هذه الثورة كتبت وفاة هذا الحكم إلى الأبد.
(ح)
ANHA