من ريادية إلى ثانوية.. اللغة الكردية ما بعد تتريك عفرين
مرّت اللغة الكردية بالعديد من المحطات في مدينة عفرين المحتلة، فمن مكان يُضرب به المثل في إعداد المناهج باللغة الكردية، كونه احتضن أول مدرسة وأول معهد وأول جامعة باللغة الكردية في إقليم شمال وشرق سوريا، إلى منطقة يُمنع فيها التعلّم باللغة الكردية، بعد احتلالها من قبل تركيا ومرتزقتها.
يحتفل الشعب الكردي في 15 أيار من كل عام بيوم اللغة الكردية، منذ أن خصص المؤتمر الوطني الكردستاني (KNK) هذا اليوم يوماً لها عام 2006.
ومع تطور اللغة الأم للشعب الكردي وانتشارها كالنار في الهشيم، خلال الأعوام القليلة الماضية، منذ انطلاقة ثورة 19 تموز وخاصة في عفرين، هاجم الاحتلال التركي المدينة ودنّس عبر مرتزقته مسيرة التضحيات ومشقة الأجيال في صون اللغة الأم وتطويرها، عبر فرض مناهج التتريك على سكان المناطق المحتلة.
فإلى أين وصل مستوى اللغة الكردية في مدينة عفرين قبل الاحتلال، وما هو حالها الآن بعد سنوات من الاحتلال؟
اللبنة الأساسية
وفي سوريا التي لم يختلف فيها معاناة الكرد عن باقي إخوتهم الكرد في أجزاء كردستان الأخرى، مع الأنظمة المحتلة لأراضي كردستان، فقد مُنع التحدث باللغة الكردية أو تسمية الأطفال بالأسماء الكردية، وفرض جميع سياسات الإنكار بحق الشعب الكردي.
الإداري في لجنة تدريب وتعليم المجتمع الديمقراطي بحلب، وأحد رواد اللغة الكردية في شمال وشرق سوريا منّان جعفر، أكد خلال لقائه مع وكالتنا، أن اللبنة الأساسية لانطلاقة ثورة اللغة الكردية وُضعت منذ زمن بعيد، مع استكمال الغيورين على اللغة مسيرة تطوير المعاجم وكتب القواعد وتناقلها عبر الأجيال بشكل سري لصونها من الأنظمة الفاشية.
وأشار منّان إلى أنه تعرّف على الأحرف الكردية عام 1978، من خلال كتب الشاعر الكردي جكر خوين، وعمل على نشره ضمن نطاق ضيق من المعارف قبل انطلاقة ثورة التاسع عشر من تموز.
مكتسبات خلال الثورة
تميزت مقاطعة عفرين قبل الاحتلال، بافتتاح أول مدرسة ومعهد وجامعة يدرّس فيها باللغة الكردية والعربية، لتشكّل بداية مرحلة تعليمية جديدة بهدف تخريج المدرسين والمختصين في المجالات كافة.
ولأول مرة في إقليم شمال وشرق سوريا، دُشّنت مدرسة لتعليم اللغة الكردية في قرية دراقليا في منطقة عفرين، بتاريخ 6 تشرين الأول عام 2011 وسميت المدرسة باسم "الشهيد فوزي".
وبحسب إحصائيات هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة عفرين والشهباء، فإن عدد المدارس في مدينة عفرين بلغ 318 مدرسة، كانت تحت إشراف الهيئة قبل الاحتلال التركي للمنطقة، وكانت كلها تمول من قبل الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا.
كما كانت تضم نحو خمسين ألف تلميذ وطالب في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بكادر بلغ 3712 مدرساً وموظفاً كانوا في المدارس الرسمية، بالإضافة إلى وجود عشرات المدارس الخاصة، التي تضم آلاف الأطفال والطلاب، وتشمل رياض الأطفال والمعاهد الموسيقية والفنية والمعلوماتية.
كما تم تأسيس معهد فيان آمارا، عام 2014 في مركز مدينة عفرين وكان يضم 11 قسماً لإعداد وتأهيل المدرسين في كافة الاختصاصات الدراسية لإدارة جميع مدارس المدينة، وبإشراف كادر مؤلف من 82 مدرساً وعشرات الموظفين آنذاك.
فيما بلغ عدد الطلاب 500 طالب وطالبة، قبل الاحتلال التركي لتلك المناطق، وقُتل بعض الطلاب وجرحوا في قراهم جراء ذلك الهجوم، وبعد الاحتلال سُلبت ونُهبت محتويات المعهد كلها، كما أن القرى والبلدات تعرضت للسلب والنهب.
وافتتحت في مدينة عفرين بشهر آب عام 2015 بمبادرة من مجموعة من أساتذة الجامعات وبتمويل من الإدارة الذاتية الديمقراطية، جامعة عفرين لاحتضان الطلاب الذين يودون استكمال مسيرتهم التعليمية، وكانت تُعدّ أول جامعة افتتحت في شمال وشرق سوريا.
قبل الهجوم التركي على المنطقة، كانت الجامعة تضم ست كليات وهي: "الطب، والهندسة الكهروميكانيكية، والإعلام، والاقتصاد، والزراعة، والأدب الكردي" بإشراف كادر مؤلف من 51 مختصاً، بالإضافة إلى نحو عشرين موظفاً وموظفة، وبلغ العدد الإجمالي للطلاب 469 طالباً وطالبة قبل الحرب.
وكانت المكتبة المركزية تضم 3150 كتاباً ومخابر علمية تحتوي على الكثير من الأجهزة العلمية مع أكثر من خمسين حاسوباً.
اللغة الكردية ما بعد الهجوم التركي والاحتلال
توقف الدوام في كل المؤسسات التعليمية بعفرين، بعد بدء الهجوم بسبب القصف العشوائي، حيث شكل ذلك خطراً على سلامة الطلاب.
وبعد الاحتلال نُهبت محتويات تلك المؤسسات وحُطّمت، وتحوّل العديد منها إلى مقرات لجيش الاحتلال التركي ومرتزقته لخطف المواطنين وتعذيبهم.
وقد خُطف واعتُدي على بعض الطلاب والأساتذة واقتيدوا إلى خارج المقاطعة، من بينهم عميد كلية الآداب الدكتور عبد المجيد شيخو 67 عاماً.
منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا، كشفت لمراسل وكالتنا إحصائيات اختطاف معلمي اللغة الكردية منذ احتلال المدينة والتي بلغت 65 معلماً ومعلمة.
وأكد الناشط الحقوقي في المنظمة إبراهيم شيخو، أن الاحتلال التركي بعد احتلاله للمدينة وتغيير ديمغرافيتها، وضمن سياسات التتريك، فرض اللغة التركية على المدارس، وحوّل اللغة الكردية إلى لغة شكلية لتدرّس على مدار الأسبوع ضمن حصة أو حصتين، وليلغيها بعد فترة بحجة عدم توافر كوادر لتعليم اللغة الكردية بعد خطفهم جميعاً.
شيخو وصف وضع التعليم في عفرين المحتلة بـ "السيئ"، وأكد أنه إلى جانب التركية يدرّي المنهاج الديني المتشدد من قبل بعض "الأئمة والجمعيات الدينية المتشددة الموالية للإخوان المسلمين".
امتناع عن التعلم خشية القتل أو الاختطاف
يشير شيخو خلال حديثه مع مراسل وكالتنا، إلى أن من تبقى في عفرين من الكُرد يمتنعون عن إرسال أولادهم إلى المدارس؛ خشية الاختطاف من قبل المجهولين وإجبارهم على دفع الفدية لإطلاق سراحهم، أو خوفاً من الذهنية المتطرفة التي تُغرس في عقول الأطفال، لتنشئة جيل موالٍ لهم.
وفيما يلي قائمة بسلسلة الجرائم المرتكبة بحق الأطفال الكرد في مدارس عفرين المحتلة من قبل المستوطنين منذ مطلع عام 2024 لوحده، بحسب ما وثقته منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا:
بتاريخ 5 أيار الجاري، تعرض الطفل الكردي شورش محمد عبدو ذو (9) أعوام من أهالي قرية عمرا التابعة لراجو، لاعتداء من قبل أطفال المستوطنين في المدرسة، ما أدى إلى كسر في أحد أطرافه العلوية ونقل على إثره إلى أحد المشافي.
وفي 1 أيار الجاري، اعتدى فتى من المستوطنين، منحدر من ريف الحسكة يدعى “علي درويش” (15 عاماً)، على الطفل الكردي "محمد فريد مصطفى" (9 أعوام) من أهالي جقماق كبير يقيم في بلدة راجو، وهو في الصف الثالث الابتدائي بواسطة سكين، بعدما دخل باحة مدرسة ثابت خلف الهوش الابتدائية، الواقعة خلف مخفر راجو القديم، ليتم نقله إلى المشفى.
وفي تاريخ 19 آذار من هذا العام، ضرب ثلاثة من أبناء المستوطنين الطفلة "آفاند شاهين سفر سيدو"، (14 عاماً)، داخل مدرسة قرية كوسا التابعة لراجو، فما كان من والدها "شاهين" إلا الدفاع عنها وحمايتها، فردّ المتزعم في مرتزقة "فيلق الشام" المرتزق "محمد ديب" بخطف المواطن "شاهين سفر سيدو" وسلّمه إلى مرتزقة الشرطة العسكرية، الذين بدورهم اعتقلوه وزجّوا به في معتقلهم ببلبلة.
وفي 15 آذار 2024، تعرّض الفتى "رودي محمد جقل" (16 عاماً)، من أهالي جنديرس، للضرب والطعن بالسكين في ساقه اليمنى من قبل ثلاثة شبان من أبناء المستوطنين، قرب مشفى آفرين عند شارع الفيلات في مدينة عفرين المحتلة، وينتمي ذووهم لمرتزقة "أحرار الشرقية" التابع للاحتلال التركي.
وفي 13 آذار 2024، قُتل الفتى الكردي "أحمد خالد معمو مده" نتيجة الاعتداء عليه بعشر طعنات سكين، من قبل المرتزق "يامن الإبراهيم" في مدينة جنديرس، والذي قام بعد قتله برمي جثته داخل بئر ماء على طريق قرية تل سلور.
وفي 12 آذار 2024 أطلق مرتزق يتبع لمرتزقة المتزعم "أبو أسعد" من فيلق الشام، النار على الطفل ذي 8 سنوات من العمر ابن المواطن "سلام عابدين عميكو" من أهالي قرية "كازيه" - ميدانا براجو، عندما كان يرعى ماشيته بالقرب من ماشية أحد المستوطنين، فأغمي عليه ووقع على الأرض نتيجة حالة الخوف والهلع جراء إطلاق النار عليه.
بتاريخ 25 شباط تعرّض الطالب الكردي شيار إبراهيم عمر من قرية "قنترة" للطعن بأدوات حادة من قبل 5 طلاب من أبناء المرتزقة المستوطنين في موباتا.
نداء لحماية المدنيين دولياً
في نهاية حديثه، قال الناشط الحقوقي إبراهيم شيخو إن ارتكاب الجرائم والانتهاكات في عفرين لم تعُد تقتصر على المرتزقة التابعين للاحتلال التركي، وإنما عملية إطلاق يد المستوطنين والجريمة العرقية المنظمة بحق من تبقى من الكرد هناك، في ظل ترويج وتعاطي المخدرات وانتشار السلاح بشكل كبير بيد المستوطنين.
وبحسب شيخو، فإنه يوجد في عفرين المحتلة وحدها 26 محلاً مخصصاً لبيع السلاح بشكل علني، وأن حمل السلاح محصور بالمستوطنين سواء العرب أو التركمان، أما الكرد فيحظر عليهم حمل السلاح حتى في حالات الدفاع النفس.
مؤكداً أن حجم التهديدات والإرهاب الممارس على المواطنين الكرد وخاصة الأطفال والشباب والقصّر والنساء، يشكل معضلة كبيرة ويتطلب موقفاً وتحركاً دوليين، وضرورة حمايتهم داخل مناطق عفرين المحتلة، لأن عدم وجود رادع سوف يمنح المستوطنين ومرتزقة تركيا الوقت والمكان الكافيين لارتكاب مزيد من الجرائم.
(أم)
ANHA