صراع دبلوماسي ينتظر غزة ما بعد الحرب في ظل المعطيات الراهنة

تبدو الحرب الإسرائيلية على غزة لن تنتهي قريباً، في ظل تقارير عن عملية عسكرية جديدة تستعد لها تل أبيب في مدينة رفح الحدودية مع مصر، التي يتأهب جيشها لحماية الحدود وسط تكهنات بإقامة مخيمات للفلسطينيين داخل سيناء.. فماذا ينتظر المنطقة؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة للأيام المقبلة؟

صراع دبلوماسي ينتظر غزة ما بعد الحرب في ظل المعطيات الراهنة
22 شباط 2024   06:30
القاهرة
محسن المصري

مع اقتراب الحرب بين إسرائيل وحماس من يومها الـ 150 دون أفق واضح لنهايتها، تتصاعد التحذيرات من عملية عسكرية إسرائيلية مرتقبة في رفح المكتظة بالنازحين الفلسطينيين، والتي تُعدّها إسرائيل آخر معقل لسيطرة حماس.

وبحسب تقارير، يوجد أكثر من مليون مدني فلسطيني محاصرين في المدينة الواقعة على الحدود مع مصر، ولم يعد أمامهم مكان للفرار، بعد نزوحهم.

ونقلت وكالة رويترز، الاثنين 19 شباط عن مسؤولين إسرائيليين وإقليميين، أن إسرائيل لن تلغي عملية رفح رغم التحذيرات الدولية، وتتوقع مواصلة العمليات الواسعة النطاق بغزة من 6 إلى 8 أسابيع أخرى.

تجهيزات مصرية

وفي سياق متصل، تحدثت تقارير عن تجهيزات ومخيمات داخل سيناء تقوم بها مصر لاستقبال النازحين الفلسطينيين رغم نفي القاهرة ذلك.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الخميس 16 شباط، أن السلطات المصرية تقوم ببناء مخيم للاجئين في الصحراء، محاط بجدران خرسانية، خشية حدوث نزوح جماعي من قطاع غزة في حال شنت إسرائيل هجوماً برياً على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

خلاف أمريكي إسرائيلي

بالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية، يتواصل الحديث في الغرف المغلقة عن مستقبل الأوضاع بغزة في اليوم التالي للحرب، والجهة القادرة على إدارة القطاع خلفاً لحركة حماس، وتعوّل الولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية لتولّي إدارة غزة عقب نهاية الحرب.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين قد طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بإصلاح السلطة الفلسطينية تمهيداً لحكم غزة، وذلك خلال لقائهما في رام الله كانون أول الماضي.

الرغبة الأمريكية في تولي السلطة إدارة غزة تدعمها دول عربية في مقدمتها السعودية، التي أعلن وزير خارجيتها خلال مؤتمر ميونيخ للأمن أن السلطة الفلسطينية قادرة، بدعم المجتمع الدولي، على السيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية.

واعتبر وزير الخارجية السعودي أن التعامل مع مسألة من سيحكم غزة "تصبح أسهل بكثير" عندما تناقش خطط ما بعد الحرب في سياق القضية الفلسطينية الأوسع، مؤكداً أن إنهاء القتال في غزة، وسحب القوات الإسرائيلية، وفسح الطريق نحو دولة فلسطينية؛ هي شروط مسبقة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

في حين يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الفكرة، مؤكداً في تصريحات صحفية أنه لا ينبغي لحماس ولا للسلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقراً لها أن تحكم غزة.

وكشف نتنياهو في بيان الاثنين 19 فبراير أن إسرائيل ستحتفظ "بالسيطرة الأمنية الكاملة" على القطاع. كما رفض إقامة دولة فلسطينية معتبراً أن ذلك سيعرّض وجود إسرائيل للخطر.

وبحسب مراقبين فإن حسم مستقبل الأوضاع في غزة يتوقف على المسار العسكري للحرب، وما سيتحقق خلال الأسابيع المقبلة، وحجم الضغوط الأمريكية وقدرة واشنطن على كبح نتنياهو وإلزام إسرائيل بفكرة الدولة الفلسطينية.

طروحات نظرية

ويرى الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور ماهر صافي أن "المشهد الحالي للأوضاع في الأراضي الفلسطينية يؤشر إلى أن هناك 3 أطراف سيكون لها دور في الأوضاع بغزة، سواء في مرحلة ما بعد الحرب أو ما قبلها".

 وقال لوكالتنا: "مصر سيكون لها دور إلى جانب إسرائيل والسلطة الفلسطينية في تحديد المدى الزمني لمرحلة اليوم التالي للحرب".

 وبحسب الباحث الفلسطيني فإن "واشنطن قد تضغط على الأطراف الثلاثة لتليين مواقفها، بحيث تقبل مصر والسلطة الفلسطينية بمبدأ تقسيم الحل على مرحلتين، وتقبل إسرائيل بتسليم المهام الأمنية للقطاع خلال المرحلة الانتقالية إلى قوات من الأمم المتحدة، أو تحالف من قوات عدة دول".

وأشار إلى أنه "حتى إن استطاعت واشنطن إقناع الأطراف كافة بالتعامل مع مرحلة انتقالية لحل معضلة قطاع غزة بعد نهاية الحرب، فإن نجاح المرحلة النهائية والتي تعتبر أعقد المراحل في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل جذري، عبر تطبيق حل الدولتين سيكون من الصعب تحقيقه".

ويعتقد صافي أن "فكرة معالجة أوضاع غزة بعد نهاية الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل وحماس، لا تزال مجرد طروحات نظرية، تُجمع أغلبها على ضرورة الالتفات أولاً لإنجاح المرحلة الانتقالية المطروحة، قبل تناول متطلبات المرحلة النهائية بالتفصيل".

وتابع " يُلاحظ غياب التفاصيل عن هيكل كلا المرحلتين الانتقالية والنهائية، وهو ما يدعم الاستنتاج الرائج في تل أبيب حالياً، بأن ما ستحققه إسرائيل ميدانياً في قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، هو ما سيحدد محتوى وإمكانية تطبيق اشتراطات المرحلة الانتقالية في القطاع، والمرحلة النهائية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

خيار الدولة

من جانبه، يرى المحلل السياسي اللبناني المتخصص بالشأن العربي، طارق أبو زينب أن الحكومة الاسرائيلية ترفض وقف إطلاق النار أو الوصول إلى تسوية في قطاع غزة، وهناك إصرار على اجتياح رفح خلال الأيام القادمة.

وقال لوكالتنا: "من الواضح أن الولايات المتحدة الاميركية أعطت الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وستضطر مصر لاستقبال النازحين في سيناء، رغم اعتراضها الشديد على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة".

وبحسب أبو زينب فإنه "من المبكر القول من سيحكم قطاع غزة خاصة في ظل اشتعال الأوضاع بالضفة الغربية بسبب ممارسات إسرائيل واعتداء المستوطنين على سكان الضفة التي يوجد فيها أكثر من 365 بؤرة استيطانية".

ويرى أنه "يتعين على الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية دعم المبادرة العربية لعام 2002 لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية لحدود العام 1967 وبدون ذلك ستبقى المنطقة مشتعلة وفي صراع مستمر".

وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أن مراقبين يرون أن هذه الخيارات والحلول تُعدّ سطحية وغير واقعية، ولن تؤدي لحل الصراع القائم منذ عقود، وذلك في ظل وجود حكومات قائمة على الخلاف الطائفي والقومي، وهذا ما سيؤدي لاندلاع صراعات بين هذه القوى في المستقبل.

(ي ح)

ANHA